سم الله الرحمان الرحيم
والصلاة و السلام على خير الأزواج سيدنا محمد بن عبد الله , وعلى اله وصحبه وسلم كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد
فيسرنا أن نقاسمكم طموحكم الواسع , ومشروعكم الكبير , في إعادة الصلة بآيات الله الكريم, وبيان شفائها وصلاحها لكل زمان, وتفوقها فضلا ورحمة على ما عداها من الآيات الوضعية , التي طالما أشقت هذا الإنسان, وجعلته في حيرة من أمره, وسلخته من هويته, وزينت له المنكر معروفا , والمعروف منكرا , فضلت و أضلت وضلت عن سواء السبيل .
ومن جملة ما أثار ويثير جدلا واسعا عند جمهرة غفيرة من شبابنا , موضوع العزوف عن الزواج , و أسباب هدا العزوف , وما نتج عنه من مِِآسي لم يسلم منها أحد.
ليس غرضنا في هذه السطور, أن نكشف النقاب عن أسباب العزوف عن الزواج ومن يقف وراءه . فداك موضوع واسع متعدد الأطراف , متشعب الفروع . وحسبنا أن نشير إلى شذرات منه عند حديثنا عن الموضوع الرئيس الذي وددنا مشاركتكم به .
كما أنه ليس غرضنا أن نبين أهمية ومكانة الزواج ومؤسسته , إلا ما كان من قبيل الإشارة الملمحة , والدوران مع عناصر موضوعنا حيث دارت. وهكذا فإننا سنلتزم الإجابة بعون الله قدر المستطاع , على ما طرحتموه من موضوع قابل للنقاش والأخذ والعطاء.
أشرنا في مستهل الحديث إلى بعض الآثار السيئة التي سببها العزوف عن الزواج , سواء كان إراديا , أم اضطراريا وهو الغالب، نظرا لعدم توفر القدرة على الزواج، وهو الشرط الأساس و الركن الذي به يقوم، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم. " من استطاع منكم الباءة فليتزوج .. ".
هذه الآثار التي لم يعهدها المجتمع الإسلامي منذ تشكله، تتسبب يوما بعد يوم في تفكيك بنية هذا المجتمع، و تمديد مساحة الخرق بين أعضائه، بحيث تتباعد مكوناته عوض أن تتقارب و تتآنس وتتآلف، أو تجتمع و لكن على ضلالة مضلة ، محورها الرذيلة و التبرج و السفور.
ولعل الطرف الذي يظهر – و الله اعلم – أكثر ضياعا و إهمالا هو المرأة، و إن كان الرجل يشاركها في مجمل هذا الضياع ، غير أنه قد ينهض , و يتخذ له تجربة جديدة قد تكل بالنجاح .
أما أختنا المرأة , فقد يفوتها القطار- خصوصا إن عاشت حياة التبرج و السفور- لأن أيامها معدودة تنتهي بانتهاء دورها في الإغراء.
غير أن ما يهمنا في هذه المشاركة، هو المرأة العفيفة الطاهرة – وان كان رجاؤنا أن تعود كل النساء إلى جادة الصواب – , التي تتقدم في السن دون أن يتقدم لها زوج يحصنها , وتعيش معه حياة المودة و الرحمة.
نحاول - قدر المستطاع بإذن الله – أن نساهم و لو بالنزر القليل , في طرح بعض الأفكار, عسى أن يكون جانب منها , مفتاح يوصل إلى بعض الحلول المقترحة لمشكلة العنوسة , و إن كنا متيقنين أن الحل الجدري و الدواء الشافي , رهين بمدى عودتنا ورجوعنا إلى الإسلام شريعة ومنهاجا , ولنا في التجارب السابقة - لما تمسك المسلمون بدينهم - الجواب الكافي , فقد عاش هؤلاء مكفولين متزوجين , قلما تواجد بينهم عازب أو عانس , بل إن الأرملة والمطلقة , كانت تظفر في كثير من الأحيان على الزوج الصالح , وهو ما أصبح شبه مستحيل في زماننا .
نعود ونقول , إن الحل كل الحل , في الأخذ بكنوز شريعتنا ومناهجنا , - ولما يأتينا اليوم الذي نشهد فيه بإذن الله حياة الإسلام تخفق بالنبض , و الناس في كنفها سعداء - , فحري بنا أن نعد العدة لهدا اليوم , بالعمل المتواصل , و البحث الجدي , و المشاركة الفعالة في طرح الحلول المقترحة لما نعيشه من مشكلات تكاد تمس كل مناحي الحياة .
وبخصوص موضوعنا حول العنوسة , نثير فيه الأفكار التالية ÷ والتي نأمل من الله تعالى , أن تكون صادقة ملؤها محبة الخير للجميع , و مواساة شريحة من مجتمعنا , تنتظر من يمسح عنها دموع النسيان واللامبالاة .
أرى و الله أعلم , أن الآباء مطالبون أولا وقبل كل شيء , بتقوى الله في أولادهم, يشجعونهم على الزواج والإحصان كلما توفرت شروطه , فعلى الأب و الأم ألا بضيعا فرصة قدوم شخص صالح لطلب يد ابنتهم بدعوى عدم الغنى , أو ما شابه من الحجج التي طالما كانت وبالا على المرأة عوض أن تكون لمصلحتها , وهذا الأمر يزداد إلحاحا في زماننا , حيث المستوى المعيشي لأغلب الشبان ليس كما يتصوره الكثير من الأباء .
المسالة الثانية تتعلق بالمرأة باعتبارها صاحبة القرار الأخير , فعليها أن تدع الأحلام جانبا وتحكم عقلها , فالغنى والجاه والمنصب إلى زوال , فضلا عن انه لا سبيل إلى كل الشباب إليه . فأقصى ما يجب أن تتمناه المرأة الصالحة , خاطب صالح عفيف مستور الحال , أما الغنى فهو بيد الله يغني من يشاء من عباده .
لمادا تقف أيها الشاب موقفا يجعل منك مخالفا للسنة برفضك للزواج أو التماطل فيه , وأنت له قادر, وتترك فتيات ينتظرنك يوما بعد يوم , أفتفضل أن تقطع أملهن وتخيب رجاءهن , أم على العكس ستكسر هذا الواقع المرير, وتستجيب لنداء الشرع , فتسعد وتسعد .
وأنت أيتها الأخت التي تتقدمين في السن , هل تقبلين أن تكوني إلى جانب زوجة أخرى , لزوج صالح , عادل , قادر على النفقة ,أم تفضلين العنوسة طول حياتك , فلترجحي المنافع على المساوئ .
وأنت أيتها الزوجة الأولى و هلا كانت لك الشجاعة والشعور بآلام الآخرين , فقبلت زوجة أخرى إلى جانبك تكون لك أختا .
كثير من العانسات يملكن من المال والثروات ما يجعلهن قادرات على تكوين بيت وتحضيره والعيش بأمان , منهن الموظفات , والعاملات , وصواحب المشاريع , ومن ورثن مالا كثير, فلماذا لا تأخذ هته النسوة المبادرة , و يبحثن عن أزواج صالحين، ولول كان مستواهم المعيشي ناقصا ، فيكون لهن الحسنيين ، تحصين لأنفسهن و إنقاذ لغيرهم من الضياع و النسيان.
كثيرة هي الحالات التي يمكن أن تعيش المرأة مع زوجها في دار أبيها، فلماذا لا يتجرأ الآباء على تكسير موروث تقليدي بال , مفاده أنه من العار أن يعيش الزوج في دار زوجته مع أهلها.
إذا تعذر تحقيق زواج كامل مستوف لجميع شروطه، منتج لكافة الحقوق الزوجية، فهل يمكن لطرفي العقد , أن يتنازلا عن بعض الحقوق , ويكتفيا بما هو أهم ، بعبارة أخرى , فقد يتعذر أن يجتمع الزوجان في بيت واحد اجتماعا دائما، و في المقابل يمكن لهم أن يجتمعوا مرة أو أكثر في الأسبوع، فهل نحرمهم من هذا، بدعوى غياب اللقاء الدائم المنتج للمودة و الرحمة؟ أم نتركهم و ما تراضوا به لأن اكتساب بعض الحق خير من إعدامه , وما لا يدرك كله لا يترك جله كما يقول الأصوليون .
وفي الختام هذه بعض الأفكار ، تحتاج إلى مزيد تنقيح واختمار في الذهن، و تلاقح مع أفكار أخرى، قد تكون أفضل و أنسب لواقعنا ، كما أنها محاولة متواضعة من شاب يتألم لما أصاب إخوانه وأخواته من إهمال و لامبالاة و انعدام للشعور.
الطالب : يحي قجعيو
والسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته. |